بيننا وبينهم (الشرق والغرب)


بسم اللّه الرحمن الرحيم


إن الغاية من خلق الله عزوجل للجن والإنس هي العبادة ولا غير ذلك، لكن القارئ للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يجد معنى العبادة يتجلى في كثير من الاشياء وأهمها عمارة الأرض فقد قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } [هود: 61] صدق الله العظيم.
وإن عُدنا لكيفية بعث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سنجد أن السؤال الأول كان اقرأ، وقال عليه الصلاة والسلام: " المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبَُ إلى الله من المؤمن الضعيف"، وهُنا يأتي توضيح معنى القوة فلم يعني الحديث القوة الجسدية فقط بل يعني العقلية أيضاً فما فائدة رجل قوي البنية لا يستخدم عقله؟!
فعمارة الأرض لا تكون إلا باستخدام العقل والتدبُّر في أمور الكون والدنيا والآخره، فالصناعات شكل من أشكال عمارة الأرض والتكنولوجيا شكل آخر وعلوم الفضاء شكل آخر عظيم على المستوى التقني نجحت الإنسانية بعمارة الأرض ولكن على المستوى الأخلاقي لقد فشلت بشكل واضح فنحن بحاجة لضوابط أخلاقية وضحها الإسلام في القرآن والسنة لتكون عمارة الأرض أفضل من هذا الحال.

لقد انقسم المجتمع العربي الإسلامي عند خبر وفاة العالم ستيفن هوكينغ فمنهم من شكره وأثنى عليه عن تلك الإضافات التي قدمها في الفيزياء الفلكية ومؤلفاته التي ستبقى شاهدةً على عبقرية هذا الإنسان الذي كان أشبه بالمعجزة في حالته الصحية الصعبة جداً، ومنهم من أرسله إلى جهنم ومستنكرا ما قام به القسم الاول من تذكير وشكر لهذا العالم.
السؤال العظيم هو ماذا قدمنا نحن؟! وما الذي فعلناه في سبيل عمارة الأرض الذي استخلفنا الله فيها؟!
يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30].


فماذا قدّم العرب حالياً للعالم؟ فنحن نأكل مما لا نزرع ونلبس مما لا نصنع فلم نعُد خير أمة أخرجت للناس، فالناظر في التاريخ سيجد أننا كنّا عظماء ومن سيقول أن إختراعات الغرب أسسها ومهّد لها العلماء المسلمون كـ الخوارزمي وابن الهيثم والبيروني وابن سينا وغيرهم من علمائنا الأجِلّاء، سأرد عليه بأننا حِدنا عن طريقهم والآن نعيش على أطلال انتصاراتهم وعلمهم لا أكثر.
نحن قدمنا الخيانة والنفاق للعالم، قدّمنا أسوأ امثلة الديمقراطية في العالم، قدمنا أفضل مثال للعشوائية في العالم، قدمنا أكثر دول العالم فساداً، كُنا الأفضل في سبيل تحطيم الطموح والأفضل في سبيل هدم الفرد، فتخيل عزيزي القارئ أن هوكينغ كان عربياً! سيكون قد مات منذ زمن طويل.


لكننا أفضل دول العالم في الحديث والشعر وتأليف التفاهات، فقد تصدّرت روايات احلام مستغانمي المبيعات وتتهافت دور النشر على طبع مؤلفات أثير العبدالله، ولكن علمائنا الآن يقومون بأبحاثهم في دول الكُفر على حد قول البعض من القسم الثاني.

سأكتفي بمثال لعالمٍ حي يُرزق اسمه محمد باسل الطائي لا أحد يعرف عنه ولا يمتلك له كتاب واحد هو عالم عراقي يُدرِّس في جامعة اليرموك الأردنية يتحاشاه الطلاب لأنه لا يقبل الواسطة ولا ينجح الطالب الذي يحتاج لعلامة، هذا العالم الذي ألف كتاب عن النسبية في سنته الأولى كطالب في الفيزياء وترجم كتاب آخر في سنته الثانية لا يعرفه أحد لأننا مشغولون جداً ومنهمكون في الحب والغرام ولا نكترث لعمارة الأرض.
فقد ألف كتاباً طبع في أميريكا بعنوان (God, Nature and the cause) للرد على الملحدين الذين نحن قلقون بشأنهم ونرسلهم للنار ونتوعدهم بجهنم.

يقول الدكتور الطائي:
لا يمكننا مسابقة الغرب في هذا العصر بـالعلوم الطبيعية والتكنولوجيا، فليس في جعبتنا مؤنة لذلك؛ لكن بإمكاننا أن نسهم في تطوير حياة الغرب والشرق من خلال تقويم رؤيتهم للقيم والعلاقة مع السماء، فإن الإسلام يمكِّننا من تقديم عطاءٍ حضاريٍّ هائلٍ في هذا الصدد، وفي جعبتنا الكثير من ميراث الإسلام وهداياته وتعاليمه السامية.
لكننا أولًا يجب أن نصلح حالَنا وسلوكَنا وفكرنَا، ونتمسك بالقيم الإسلامية حقَّ التمسك شكلًا ومضمونًا، وأن لا نكتفي بأداء العبادات فحسب، فنتصور أن لزوم العبادة وحده يغني عن العمل!، فالإيمان في الإسلام مقترن بالعمل، فإن فسد العمل بطل الإيمان، وأصبحنا في صنف الفاسقين المتخلفين".
عن الدكتور محمد باسل الطائي:

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لقاء قصير

في العزلة