وفي غيابها
وما
زال يجلس في غرفته كئيباً أحياناً وسعيداً أحياناً أخرى، يسعَد فيبدأ بالكتابة
ويخُط عدداً من الصفحات في روايته الجديدة التي ابتدعها لكنه ما يلبث أن يكتب صفحة
أو أكثر فيزداد الشوق لديه ويتضاعف حنينه وتصبح مشاعره كقنبلةٍ تنتظر أمر الإطلاق
فذكرى واحده أو إحساسٌ زائدٌ بالشوق كان كفيلاً بإطلاقها، لم يعد يألف ملامح
السعاده كثيراً ولم يعد يبتسم تلك الإبتسامه التي تخرج من داخله، إنما يتصنع
السعاده ويتظاهر بالفرح وقلبه ليس معه أصلاً!!.
عدةُ
أيامٍ من الغياب؟! ربما هي لا تُدرك كيف يمكن أن يحدث هذا له؟، كيف ذلك وهي لم
تحادثه إلا مراتِ معدوده؟!!، لكنها لا تعلم أن حياته ابتدأت معها وبتلك المحادثة
الأسطورية، هي لا تدري أنها اجتاحت قلبه أنها وصلت إلى قلبه من كل الإتجاهات، بكل
الطُرُق، وصلت بأناقةٍ يعشقها، برتابةٍ إستثنائية أدمنها، بعفويةٍ أدهشته، بأنوثةٍ
طاغيه، نعم لقد دخلت إلى كل ما في سِرِّه. إنها المرة الأولى التي تدخل أنثى إلى
عقله قبل قلبه وهيهات أن يعشق العقل قبل القلب فهنا يصبح الحب إستثنائياً أسطورياً
خرافياً ليس كمثله شيء، وقد أجتاحت عقله قبل قلبه.
جلس
وهو يتجرع مرارة الغياب وعقله وقلبه يفكران بتلك الأنثى التي عاثت حُباً في ذاته،
يقرأ تلك المحادثات القصيرة التي نوّرت دربه، التي أرسلته إلى عالم العشق. فأي
حُبٍ، أي شوقٍ، أي جنونٍ هذا؟، فلو اجتمع كل كتاب العالم ليكتبوا عمّا في داخله من
حنينٍ لعجزوا كما عجزت كلماته.
يجلس
مع الآخرين ويدهشهم بحديثه، بأفكاره، بلغته الهادئه تلك التي تُعجب الآخرين وتُثير
فضولهم ليسمعوا أكثر من تلك الكلمات التي تخرج من بين شفاهه بكل عفويةٍ وأناقه،
لكن لا أحد يدري أنه معهم بجسده فقط، فقلبه قد رحل غريقاً إليها، وروحه رحت
مشتاقةً إليها، وعقله لن يرجع أبداً من منفاه فهي أصبحت وطنه وسعادته بل أصبحت
حُلُمَه.
يجلس
ويردد قول الشاعر:
جسمي
معي غَيرَ أنّ الروحَ عِندَكُمُ .... فالجِسمُ في غُربةٍ والروحُ في وَطَنِ
فليعجَب
الناسُ أن لي بدناً .... لا روحَ
فيهِ ولي روحٌ بلا بدنِ
لم يعُد
يملك إلا الخيال الذي أصبح يمارسه باستمرار، دون أن يعي غيره. سيدتي الجميله لا
تطيلي عليه الغياب فهو لا يحتمله.
تعليقات
إرسال تعليق