على ضِفة النهر

أتت من بعيد لِتجلس بجانبه على مقعده المُعتاد في تلك الحديقة المزدحمة التي يجلس بها ليقرأ كِتاباً أو روايةً إعتاد على حملها معه إلى ذلك المكان الهادئ المُطل على النهر, نظرت إليه وابتسمت وقالت له آسف على إزعاجك سيدي, قال لها: أهلا بكِ في أي وَقتْ

قالها وهو يَعلم بداخله ربما هي الوحيدة التي سيفعل لها ما تُريد ويَحِق لها أن تتجرأ عليه إلى أبعد الحدود, كيف لا وهي ذات الجمال الرائع, والهدوء الأروع, بل الأسلوب اللامتناهي الروعة في الحديث.

قالت له بعفوية ودلال ولا أروع: "كيف لرجلٍ مِثلَك أن يجلس في هذا المكان الرومنسي للغاية ويقرأ كتاب هتلر (كفاحي)؟! أليس هذا نوع من التناقض يا سيدي؟, اعذرني على تطفلي", اتبعتها بابتسامةٍ خيالية لا تترك لأي أحدٍ مجالاً بأن يتجاهلها ويتجاهل أن يُجيب على تلك الأسئلة الفضولية.

لكنها ربما نسَت أن من يقرأ يتعلّم الكثير من فنون الرد ...

نظر إليها مبتسماً وقال: "إني أقرأ هذا الكتاب هُنا بالذات لأني أخاف أن أُشعِل ثورَة وأنا أتفاعل مع الكتاب لأني أقرأ الكُتب بحواسي جميعها, فأنظر حولي أرى الهدوء فيهدأ ما بِداخلي".

فضحكت وقالت: "إنك استثنائي يا سيدي وأكاد أجزم بأنك قرأت (Out Lauder) أكثر من مرة ولم تمر (مئة عام من العُزلة) مرور الكرام.

قال لها والدهشة تعلو حاجبية: "نعم, أصبتِ أيتها الفضولية. وأنا متأكد بأنكِ عندما قرأتِ (Anna Karenina) كتبتِ بها الكثير".

قالت له: :أشكّ بأنك تعرفني؟!", فقال: "لا فنحن لم نلتقي قبلاً لكننا استطعنا أن نقرأ بعضنا جيداً من أول مرة", قالها وهو يقصد أن يطلُب منها أن يلتقيا مرة أُخرى, لقد أدركت بفطنتِها ما يُريد. فقالت وهي مبتسمة بسخاء: "ربما قرأنا بعضنا جيداً لكننا نحتاج لأكثر من مرة لنفهم بعضنا".

فَهِم إشارتها وقال لها: "إني أجلِس هُنا كل جمعة, على هذا المقعد وفي نفس الوقت حاملاً كتابا منذ سنة ولا أعتقد أن هناك شيئاً سيتغير".

ابتسمت وقالت: "اعذرني يا سيدي اللطيف على ذلك الوقت الذي سرقته من ثورتك, فصديقتي تُلوح لي لنذهب لنشاهد الفيلم الجديد لممثلي المُفضل (جورج كلوني)"

نظر مبتسما وقال: "لا فأنا كنت مستمتعاً طوال الوقت وكنت مبتسماً ومستمعاً جيداً لقرائتك الفضولية لي ولكتابي". رحلت مبتسمة وقالت له: "وداعاً".

رد بعفوية وذكاء جميل: "إلى اللقاء".